هشاشة العظام هي حالة تتميز بانخفاض كثافة العظام وزيادة خطر الإصابة بالكسور. وهي ناجمة عن اختلال التوازن بين امتصاص العظام (الانهيار) وتكوين العظام، حيث يتم تكسير العظام بشكل أسرع من إعادة بنائها، مما يؤدي إلى عظام مسامية وهشة
تساهم مجموعة متنوعة من العوامل في هذا الاختلال، بدءًا من التغيرات الهرمونية والاستعداد الوراثي إلى نمط الحياة والعوامل الطبية. فيما يلي نظرة شاملة على الأسباب الرئيسية لهشاشة العظام
1. العوامل الهرمونية
نقص هرمون الإستروجين: يعد انخفاض مستويات هرمون الإستروجين، وخاصة بعد انقطاع الطمث، أحد أهم عوامل الخطر التي تؤدي إلى هشاشة العظام لدى النساء. يلعب هرمون الإستروجين دورًا حاسمًا في الحفاظ على كثافة العظام، ويؤدي انخفاضه إلى تسريع عملية امتصاص العظام، مما يزيد من خطر الإصابة بهشاشة العظام
نقص هرمون التستوستيرون: عند الرجال، تساهم مستويات هرمون التستوستيرون المنخفضة، والتي يمكن أن تحدث بشكل طبيعي مع تقدم العمر أو بسبب حالات طبية، في فقدان العظام. يساعد هرمون التستوستيرون في الحفاظ على كثافة العظام، ويمكن أن يؤدي الانخفاض الكبير في مستوياته إلى زيادة خطر الإصابة بهشاشة العظام
هرمونات الغدة الدرقية: يمكن أن تؤدي المستويات المفرطة من هرمونات الغدة الدرقية إلى فقدان العظام. فرط نشاط الغدة الدرقية، أو الإفراط في تناول هرمون الغدة الدرقية البديل لدى الأفراد الذين يعانون من قصور الغدة الدرقية، يمكن أن يساهم في زيادة المخاطر
اختلال هرمون الغدة جار الدرقية (PTH): يمكن أن تؤدي المستويات المرتفعة من هرمون الغدة جار الدرقية، الذي ينظم الكالسيوم في الجسم، إلى زيادة امتصاص العظام. يمكن أن تتسبب حالات مثل فرط نشاط الغدة جار الدرقية في إطلاق الكالسيوم بشكل مفرط من العظام، مما يؤدي إلى إضعافها
زيادة الكورتيزول (متلازمة كوشينغ): الكورتيزول، وهو هرمون التوتر، بكميات زائدة (إما بسبب إنتاج الجسم لكمية كبيرة منه أو من العلاج بالكورتيكوستيرويد لفترة طويلة) يمكن أن يقلل من تكوين العظام ويزيد من امتصاص العظام، مما يؤدي إلى هشاشة العظام
2. الشيخوخة
تبلغ كتلة العظام ذروتها عند سن الثلاثين تقريبًا، وبعد ذلك تتناقص تدريجيًا كجزء من عملية الشيخوخة الطبيعية. تنتج الخلايا المسنة كمية أقل من الكولاجين وغيره من المواد الداعمة للعظام، مما يجعل من الصعب على العظام إصلاح بنيتها والحفاظ عليها. يتحول التوازن بين تكوين العظام وامتصاصها نحو الامتصاص مع تقدم العمر، مما يؤدي إلى فقدان ثابت لكثافة العظام
3. التاريخ الوراثي والعائلي
يمكن أن يؤدي وجود تاريخ عائلي للإصابة بهشاشة العظام أو كسور العظام، وخاصة كسور الورك، إلى زيادة خطر إصابة الفرد. تساهم بعض العوامل الوراثية في كثافة العظام وبنيتها، مما يؤثر على قابلية الفرد للإصابة بهشاشة العظام. يمكن أن تؤدي الاختلافات في الجينات المرتبطة بنمو العظام، واستقلاب الكالسيوم، ومستقبلات فيتامين د إلى جعل بعض الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بهشاشة العظام
4. نقص التغذية
نقص الكالسيوم: الكالسيوم معدن حيوي لصحة العظام، فهو يوفر صلابة وقوة العظام. يؤدي عدم تناول كمية كافية من الكالسيوم، وخاصة أثناء الطفولة والمراهقة عندما تنمو العظام، إلى زيادة خطر انخفاض كثافة العظام وهشاشة العظام في وقت لاحق من الحياة
نقص فيتامين د: فيتامين د ضروري لامتصاص الكالسيوم وصحة العظام. يمكن أن يؤدي نقص فيتامين د إلى ضعف امتصاص الكالسيوم وإضعاف العظام وجعلها أكثر عرضة للكسور
انخفاض تناول البروتين: يعد البروتين ضروريًا للحفاظ على بنية العظام. يمكن أن يساهم انخفاض تناول البروتين في ضعف العظام، وخاصة لدى كبار السن الذين قد يعانون بالفعل من انخفاض كثافة العظام
نقص التغذية الأخرى: يمكن أن يؤثر نقص المغنيسيوم وفيتامين ك والفوسفور أيضًا على صحة العظام، على الرغم من أن الكالسيوم وفيتامين د يلعبان الأدوار الأكثر بروزًا
5. عوامل نمط الحياة
عدم النشاط البدني: تعتبر تمارين تحمل الوزن، مثل المشي والجري وتمارين المقاومة، ضرورية للحفاظ على قوة العظام. يمكن أن يؤدي قلة ممارسة الرياضة أو نمط الحياة المستقر إلى انخفاض كتلة العظام بمرور الوقت
التدخين: يرتبط التدخين بانخفاض كثافة العظام، فهو يتداخل مع امتصاص الكالسيوم ويقلل من تدفق الدم إلى العظام، مما قد يضعف إعادة تشكيل العظام وصيانتها
الإفراط في تناول الكحول: يؤثر الكحول سلبًا على صحة العظام من خلال التدخل في توازن الكالسيوم في الجسم، وتقليل تكوين العظام، وتقليل قدرة الجسم على امتصاص الكالسيوم. يعد تعاطي الكحول المزمن عامل خطر معروف لهشاشة العظام
6. الحالات الطبية
اضطرابات المناعة الذاتية: يمكن لحالات مثل التهاب المفاصل الروماتويدي أن تزيد من خطر الإصابة بهشاشة العظام بسبب الالتهاب المزمن واستخدام الكورتيكوستيرويدات، مما يساهم في فقدان العظام
اضطرابات الجهاز الهضمي: تتداخل حالات سوء الامتصاص مثل مرض الاضطرابات الهضمية ومرض كرون والتهاب القولون التقرحي مع امتصاص العناصر الغذائية، وخاصة الكالسيوم وفيتامين د، والتي تعتبر ضرورية لصحة العظام
اضطرابات الغدد الصماء: يمكن أن يزيد مرض السكري، وخاصة النوع الأول منه، من خطر الإصابة بهشاشة العظام بسبب التغيرات في عملية التمثيل الغذائي للعظام. بالإضافة إلى ذلك، يؤثر فرط نشاط الغدة جار الدرقية وفرط نشاط الغدة الدرقية على كثافة العظام
السرطان وعلاجاته: بعض أنواع السرطان، وخاصة تلك التي تصيب نخاع العظم (مثل الورم النقوي المتعدد)، تزيد من خطر الإصابة بهشاشة العظام. كما يمكن لعلاجات السرطان، بما في ذلك العلاج الكيميائي والإشعاعي والعلاج الهرموني، أن تلحق الضرر بأنسجة العظام أو تتداخل مع إعادة تشكيل العظام
مرض الكلى: يمكن أن يؤدي مرض الكلى المزمن إلى اختلال التوازن في استقلاب الكالسيوم والفوسفور وفيتامين د، مما يؤدي إلى فقدان العظام وزيادة خطر الإصابة بالكسور. يمكن أن يؤدي خلل تنسج العظم الكلوي، وهو اضطراب في العظام يحدث للأشخاص المصابين بأمراض الكلى، إلى تشوهات العظام والكسور
7. الأدوية
الكورتيكوستيرويدات (الجلوكوكورتيكويدات): يعد الاستخدام طويل الأمد للكورتيكوستيرويدات (مثل بريدنيزون) أحد الأسباب الأكثر شيوعًا لهشاشة العظام الناجمة عن الأدوية. تتداخل هذه الأدوية مع تكوين العظام، وتزيد من امتصاص العظام، وتؤثر على توازن الكالسيوم
مضادات الاختلاج: يمكن لبعض الأدوية المستخدمة لعلاج اضطرابات النوبات، مثل الفينيتوين والفينوباربيتال، أن تتداخل مع عملية التمثيل الغذائي لفيتامين د، مما يقلل من امتصاص الكالسيوم وكثافة العظام
مثبطات مضخة البروتون (PPIs): قد تؤدي هذه الأدوية، المستخدمة عادة لعلاج ارتجاع الحمض، إلى تقليل امتصاص الكالسيوم في المعدة، مما يؤدي إلى ارتفاع خطر الإصابة بهشاشة العظام مع الاستخدام طويل الأمد
استبدال هرمون الغدة الدرقية: يمكن أن يؤدي الإفراط في العلاج باستبدال هرمون الغدة الدرقية إلى زيادة فقدان العظام، وخاصة عند النساء بعد انقطاع الطمث
مثبطات الأروماتاز ومعدلات مستقبلات الإستروجين الانتقائية (SERMs): تستخدم هذه الأدوية في علاج سرطان الثدي، ويمكن أن تسبب فقدان العظام عن طريق تقليل مستويات الإستروجين
مضادات التخثر (على سبيل المثال، الهيبارين): قد يتداخل الاستخدام طويل الأمد للهيبارين مع تكوين العظام ويزيد من امتصاص العظام، مما يؤدي إلى هشاشة العظام
8. انقطاع الطمث وهشاشة العظام بعد انقطاع الطمث
انقطاع الطمث هو أحد أهم العوامل في تطور هشاشة العظام لدى النساء
أثناء انقطاع الطمث، تنخفض مستويات هرمون الاستروجين بشكل حاد، مما يؤدي إلى تسريع فقدان العظام. تحدث فترة فقدان العظام السريع عادة خلال أول 5-10 سنوات بعد انقطاع الطمث، مما يزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بهشاشة العظام لدى النساء بعد انقطاع الطمث
9. عوامل أخرى
العرق والأصل العرقي: يواجه السكان القوقازيون والآسيويون خطرًا أعلى للإصابة بهشاشة العظام مقارنة بالسكان من أصل أفريقي والأمريكيين من أصل إسباني، الذين يميلون إلى أن يكون لديهم كثافة عظام أعلى
حجم إطار الجسم: يميل الأشخاص الذين لديهم إطارات الجسم الصغيرة إلى أن يكون لديهم كتلة عظمية أقل وهم أكثر عرضة للإصابة بهشاشة العظام، خاصة إذا لم يصلوا إلى ذروة كتلة العظام في مرحلة البلوغ المبكرة
انقطاع الطمث المبكر أو اضطرابات الدورة الشهرية: النساء اللاتي يعانين من انقطاع الطمث المبكر (قبل سن 45 عامًا) أو لديهن دورات شهرية غير منتظمة قد يكون لديهن كثافة عظام أقل، حيث قد يكون لديهن فترات طويلة من التعرض لهرمون الاستروجين المنخفض
الوقاية والإدارة
تتضمن الوقاية من هشاشة العظام معالجة العوامل التي تساهم في فقدان العظام. يمكن أن تساعد ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، وتناول كميات كافية من الكالسيوم وفيتامين د، وتجنب التدخين والإفراط في تناول الكحول، وفحوصات كثافة العظام بانتظام (خاصة بالنسبة للفئات السكانية المعرضة للخطر) في التخفيف من المخاطر
بالإضافة إلى ذلك، بالنسبة لأولئك المعرضين لخطر كبير أو الذين يعانون بالفعل من هشاشة العظام، يمكن استخدام أدوية مثل البايفوسفونيت، ومعدلات مستقبلات الإستروجين الانتقائية (SERMs)، ونظائر هرمون الغدة جار الدرقية، والأدوية الأحدث مثل الأجسام المضادة وحيدة النسيلة (على سبيل المثال، دينوسوماب) للمساعدة في الحفاظ على كثافة العظام ومنع الكسور
إن فهم هذه العوامل يمكن أن يساعد في اتخاذ خيارات نمط حياة مستنيرة والتعرف على العلامات المبكرة لهشاشة العظام، وبالتالي الوصول في نهاية المطاف إلى عظام أقوى وأكثر صحة في جميع مراحل الحياة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق